/ الفَائِدَةُ : (173) /

03/06/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / الْأَوَامِر والنَّوَاهِي الْإِلَهِيَّة لا ينحصران بالْاِعْتِبَارَي / إِنَّ الْأَوَامِر والنَّوَاهِي الْإِلَهِيَّة لا تختصُّ بالصُّوت والكلام الْاِعْتِبَارَي والَّذي دليل صدقه بالاِعْتِبَارَ ، بل تشمل الكلام التَّكويني ، بل هو أَصدق حقيقة ومصداقاً من الكلام الْاِعْتِبَارَي ؛ فإِنَّ الْاِعْتِبَارَ في عالم الدُّنيا عبارة عن روضةٍ تمهيديَّةٍ ؛ كيما يأنس الذهن البشري من خلاله بنظام الحقائق في العـوالم الأُخـرى ، فمعنى بيان قوله تعالى : [إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ](1) : أنَّ نفس خلقته عليه السلام تكلُّم من الله تعالى مع مخلوقاته ، لكن فهم وتعقل ووعاية هذا النحو من الكلام يحتاج إِلى أُذُن عَقَلِيَّة وَاعِيَة . وهذا ما تشير اليه بيانات الوحي ، منها : بيان قوله (جَلَّ وَتَقَدَّسَ) : [لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ](2). ومن ثَمَّ توجد قاعدة مَعْرِفِيَّة عَقَلِيَّة في أَبْوَابِ الْمَعَارِف الْإِلَهِيَّة تولي رعاية فائقة ، وهي : (أَنَّ أَبْوَابَ الْمَعَارِف الْإِلَهِيَّة مَبْنِيَّةٌ على الحقائق العَقَلِيَّة التَّكوينيَّة ؛ دون الحقائق اللُّغَوِيَّة الْاِعْتِبَارَيَّة) . وعليه : فكُلُّ فعلٍ وقضاءٍ وقدرٍ يقرؤه الأَنبياء والأَوصياء عليهم السلام ويستشفون منه وَحْيًا وكلاماً وخطاباً إِلَهِيّاً . فانظر : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : ورد : « أَنَّ آدم لما هبط إلى الأرض لَمْ يَرَ حوا ؛ فصار يطوف الأرض في طلبها ؛ فمَرَّ بكربلا فاِغْتَمَّ ، وضاق صدره من غير سببٍ ، وعثر في الموضع الذي قُتِلَ فيه الحسين ؛ حتى سال الدم من رجله ، فرفع رأسه الى السماء وقال : إِلَهِي ، هل حدث مِنِّي ذَنبٌ آخر فعاقبتني به ؟ فإِنِّي طِفتُ جميع الأرض ، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض . فأوحى الله إليه يا آدم ، ما حدث منكَ ذَنبٌ ، ولكن يُقتَل في هذه الأرض ولدكَ الحسين ظلما ؛ فسال دمكَ موافقة لدمه ... » (3). ثَانِياً : ورد أَيْضاً : « أَنَّ إبراهيم عليه السلام مَرَّ في أرض كربلا وهو راكب فرسا فعثرت به وسقط إبراهيم وشُجَّ رأسه وسال دمه ، فأخذ في الاستغفار ، وقال : إِلَهِي ، أي شئ حدث مِنِّي ؟ فنزل إليه جبرئيل وقال : يا إبراهيم ، ما حدث منكَ ذَنبٌ ، ولكن هنا يُقتَل سبط خاتم الأنبياء ، وابن خاتم الأوصياء ، فسال دمكَ موافقة لدمه... »(4). ثَالِثاً : ورد أَيْضاً : « أَنَّ موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون ، فلَمَّا جاء إلى أرض كربلا انخرق نعله ، وانقطع شراكه ، ودخل الخسك في رجليه ، وسال دمه ، فقال : إِلَهِي ، أي شئ حدث مِنِّي ؟ فأوحى إليه : أَنَّ هنا يُقتَل الحسين عليه السلام ، وهنا يسفك دمه ، فسال دمكَ موافقة لدمه ... » (5). نعم ، الحقائق اللُّغويَّة تُجعل مُنطلقاً للوصول إلى الحقائق العَقَلِيَّة . وَلَكَ أَنْ تقول : إِنَّ التَّعرف على نظام الحقائق لابُدَّ وأَن يبدأ من نظام المجاز الْاِعْتِبَارَي . وبالجملة : المنهج الْعِلْمِيُّ وَالْمَعْرِفِيُّ الْمُحَكَّمُ في أَبْوَابِ الْمَعَارِف الْإِلَهِيَّة قائم على معادلة : (لا إفراط ولا تفريط إِنَّما أَمر بين أَمرين) ، فإِنَّ المجاز قنطرة الحقيقة. وعليه : فعكوف الباحث في عِلْمِ الْمَعَارِف وانحباسه على المعاني اللُّغويَّة يُصِّيره بحثاً ليس بمَعْرِفِيٍّ . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء : 171. (2) الحاقة : 12 . (3) بحار الانوار ، 44 : 242 / ح 37 . (4) المصدر نفسه : 243 / ح 39 . (5)المصدر نفسه : 244 / ح 41